05 - 12 - 2025

رشقة أفكار | كرة الثلج.. تتدحرج في شارع الصحافة!

رشقة أفكار | كرة الثلج.. تتدحرج في شارع الصحافة!

لاتدخل الدولة على خط أزمة صحيفة "البوابة"! تعمل نفسها من بنها! الأزمة تتحرك مثل كرة الثلج التي قد تهبط مشتعلة على رؤوس لا يمكن تحديد من سينجو منها، وهي لا تهدد البوابة ككيان فقط وإنما تهدد صحفيين كثر. مخطيء من يتصور أنها محدودة ومنحصرة في نطاق البوابة.. اليوم البوابة.. أمس  كان الوفد (وربما بعد غدٍ  أيضًا!) وغدا الفجر .. والسبحة سوف تكر حتمًا. لدينا اكثر من ١٣الف صحفي أعضاء في الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصرية، غالبيتهم يعيشون على الحدود الدنيا من الدخول.. انخفضت دخولهم بضراوة، نتيجة سياسات التعويم وارتفاع الأسعار الخرافي والإجراءات الاقتصادية الخاطئة التي تجعل هذه الطائفة من الناس مهددين بالشحاذة والتسول.. وربما نشاهد بعضنا البعض في مناطق السيدة والحسين نشحذ ونمد أيدينا قائلين: عشانا عليك يارب!

كل هذا والدولة بوزارة إعلامها وهيئتها الوطنية للصحافة تتجاهل توصيات المؤتمر العام السادس للصحفيين. الصحافة مهنة تزدهر في دول العالم لكنها تموت في مصر. ليس هناك من يمد يده لينقذ الصحافة والصحفيين. تعقد هيئة الصحافة برئاسة عبد الصادق الشوربجي ويتحدث فيها كتاب ذوي خبرة، وبعضهم لديه رؤي ويتميز بالمهنية العالية، مع هذا فإن أزمة بسيطة مثل أزمة "المؤقتين" - الذين لم يعينوا منذ ١٥ عامًا تقريبًا - لا تجد طريقها إلى الحل، رغم أن هناك من يحدد أصحاب الحق من بين أعدادهم التي تفوق المائتين بنحو ٨٤ صحفيًا، علمت ان كلفة تعيينهم لاتزيد عن ٦ مليون جنيه شهريا، لكن ماتزال النغمة السائدة هي "منين نجيب لهم ٦ مليون"!

الذين يرافقون المحافظين والوزراء في تشريفاتهم، من موتوسيكلات وسيارات فارهة وموائد عامرة بأطايب الطعام.. يكبدون الدولة مبالغ يمكن توفيرها، مهما تصوروا انها ضئيلة!

الانتخابات التي تنفق عليها الدولة مئات الملايين من الجنيهات هي أمر حتمي ولا يجوز التخلي عنه.. الانتخابات قضية حياة .. وفقا للدستور يجب اجراؤها.. لكن لابد ان تتمتع بالنزاهة والحيدة.. حتى يكون المال الذي أنفق عليها في محله.. لكن ما جرى في الانتخابات الجارية الآن يدفع كل الناس إلى الغضب، ورفض النتائج والنظام الانتخابي نفسه، والرئيس نفسه أوعز للهيئة الوطنية بأن لديه ملاحظات كثيرة على ملابسات العملية الانتخابية في مرحلتها الأولى، وجاءت المحكمة الإدارية لتنظر مائة طعن في الانتخابات، رفضتها جميعا، فيما لايزال هنالك طعنان منظوران أمام المحكمة الدستورية العليا..  يقول الدكتور على الدين هلال: البرلمان القادم أصبح "ملطوط".. وسيصل الأمر إلى الدستورية العليا! فإذا لم يكن لدينا مبالغ هزيلة مثل الـ٦ ملايين جنيه لتعديل اوضاع الصحفيين المؤقتين، فلماذا نهدر ملايين الجنيهات على عملية انتخابية رئيس الدولة نفسه رفض مجرياتها على النحو الذي بلغه منها ووصل إليه؟!

أزمة الصحافة قديمة منذ تم تخريب مؤسسات صحفية كبري، باختيار قيادات إدارة وتحرير اقل من المستوى، عندما تولى عبد الصادق الشوربجي رئاسة مجلس إدارة روزا اليوسف كان لديه هاجس شهري هو من آين يدفع المرتبات؟ المؤسسة مدينة بملايين الجنيهات، وكان عليه ان يسعي في جميع الاتجاهات ليحل هذه الأزمة ونجح وقدم نموذجا، وعندما ترك منصبه لم تكن هناك مشكلات في الإدارة، وان بقيت هناك مشكلات في التحرير! روزا اليوسف اليوم ليس هي روزا التسعينات (عادل حمودة ).. وليست روزا صلاح حافظ وعبد الرحمن الشرقاوي في عام ٧٧!

الأهرام العظيم لم يعد يستطيع أن يوفر المال اللازم للصحفيين، الخاص بالعلاج.. الأهرام مدينة لشركات الدواء وبالتالي تتعثر في تقديم هذه الخدمات. ملايين الجنيهات التي تحصل عليها الأهرام من الجامعة الكندية هي التي تدفع المرتبات للصحفيين. مؤسسة اخبار اليوم تعيش على دخلها من مركز السيارات الذي تديره في أكتوبر!

ترك الرجل العظيم فؤاد سراج الدين وديعة بحوالي 90 مليون جنية في البنك لينفق من ريعها على الصحيفة - الوفد - التي كانت عملاقة، ولكن من جاءوا بعده فكوا الوديعة ورهنوا الحزب والصحيفة، وباتت دوما على كف عفريت وفي أيام رئاسة تحرير وجدي زين الدين كنت أسمعه وهو  يكاد "يتخانق" - أو يبكي أحيانا - أثناء حديثه  مع مسؤولين  بالأهرام، الذين كانوا يهددون بوقف  الطباعة بسبب عدم دفع مستحقات الأهرام!

قبل أشهر اشتعلت  أزمة شديدة  في صحيفة الوفد، وتحدث عنها مؤخرا بالتفصيل رئيس اللجنة النقابيّة للعاملين بالوفد د. محمد عادل العجمي، أثناء يوم تضامني أقيم بنقابة الصحفيين، دعت اليه الزميلة الجسورة  شيماء حمدي، وأبرز العجمي مراحل النضال الذي خاضه رجال الصحيفة الأبطال، للحصول على حقوقهم المشروعة. كان رئيس الحزب السابق يقول "أنا مالي" كما لو أن هؤلاء الصحفيين والعاملين مرتزقة أو ينتمون إلى صحف تصدر في تنجانيقا مثلا.. وقد استشهدت بالزميل مجدي حلمي في مقال سابق، بخصوص استجابة رئيس الحزب الحالي لبعض مطالب الصحفيين!

"وأنا  مالي .. وأنا مالي وأنا مالي".. هذا مطلع شهير في أحد كوبليهات أغنية من أغاني وردة الجزائرية ، وأظن أنه رغم أن مقررة  لجنة الحريات بالصحفيين الزميلة الدؤوبة إيمان عوف تحب الفنانة وردة، إلا انها سترفض الاستماع إلى مثل هذا الكوبليه الملعون، إذا فكر أحد ان يستخدمه في التعامل مع الأزمات الصحفية، قديمها وحاضرها ومستقبلها! ورغم أن رئيس تحرير البوابة نيوز السيدة داليا عبد الرحيم تعلن أنها ليس لديها أموال وليس منطقيًا كما تقول أن تبيع فيلتها في نيو جيزة من أجل إعطاء صحفيي البوابة "الحد الادني للأجور" ( الحد الأدنى هه .. الأدنى!) فإن هذا يعني ترجمة واقعية بشكل ضمني لشعار "وأنا مالي (بالصحفيين في البوابة) وانا مالي" إلا أن الزميل عبدالرحيم على بحسب خبراته اليسارية القديمة، فكر بطريقة مختلفة، صاغ خطابًا وداعيًا عاطفيًا في وداع حلم  البوابة، وذلك على طريقة خطاب مبارك العاطفي ليلة موقعة الجمل، التي لولا اندلاعها في اليوم التالي لكان مبارك بقى واستمر رئيسا.. ثم ان عبد الرحيم عاد أيضًا ليقول ضمنا وانا مالي.. وتجلى هذا في إعلانه نزع اسمه من على ترويسة البوابة.. ثم كان دخوله في تفاوض مع الصحفيين المعتصمين ومع نقابة الصحفيين - رهانًا على إطالة أمد الأزمة وشعور المعتصمين بالملل والضيق -  بحثا عن حلول هي بالأساس لاتشمل بالطبع الـ ٢٥٧ صحفيًا الذين يمثلون حاليا أزمة الحد الأدنى للأجور في البوابة ! ومايطرحه يتعلق تقريبا بتحسين أوضاع مابين ٣٠ إلى ٦٠ صحفيًا فقط، يرى أنه يمكن أن يحتفظ بهم في البوابة! اليساري والتقدمي المستنير عبدالرحيم على  لديه صحفيين يعملون بمبالغ هزيلة، بدأت قبل سنوات بـ ١٣٠٠ج وانتهت الآن إلى ٢٠٠٠ ج فقط؟ وتتساءل صحفية بمرارة: مالذي بمكن أن يفعله مبلغ كهذا في هذه الأيام الغبراء! لسان حالي يقول لها مجددًا: نشحت طبعا!

النقابة قدمت حلولا وجيهة للغاية، وخالد البلشي ومجلسه لأنهم يعرفون أن أزمة البوابة ماهي إلا نقطة في محيط التالي من أزمات وأنها علامة فارقة في التعامل، فقد أولوها عناية واهتماما.. فإذا طلب المعتصمون دعما حضروا إليهم وإذا قرروا تفاوضا شاركوا فيه، وإذا أراد عبدالرحيم وداليا تصفية الشركة وقفوا لهم بأنه يجب التصفية وفقًا للحد الادنى للأجور وليس وفقا للرواتب الحالية.. وأكثر من هذا، أبلغت النقابة الجهات ذات الصلة مثل التأمينات ووزارة العمل حتى الجهات الأمنية (باعتبار أن هناك اعتصام كبير قد يتطور إلى إضراب عن الطعام، وهناك أنباء تشير آحيانًا إلى منع المعتصمين أو مضايقتهم على نحو أو آخر) كما أن النقابة على لسان النقيب أعلنت انها تبحث عن شريك يحل محل عبد الرحيم على وأولاده!

رغم كل هذه التقاطعات والأزمات التي يشهدها الوسط الصحفي لا تلتفت الدولة إلى معاناة الصحفيين أبدًا! الأزمة خطيرة، ولا يجوز تصدير أزمة رواتب وأوضاع الصحفيين إلى النقابة، لأن النقابة لاتملك حلولًا مادية وهذا ليس دورها مطلقًا.. فلا يجوز تصدير أزمات الصحافة من النواحي المالية إلى النقابة .

كان أسوأ ماحدث في فترة الانتخابات الأخيرة الحديث عن زيادة جيدة في بدل التدريب والتكنولوجيا، وبسقوط عبد المحسن سلامة ونجاح خالد البلشي جاء العقاب وتم خفض الزيادة إلى النصف تقريبًا، وها هي أزمات تنشأ على الطريق، مثل أزمة مجلة الإذاعة والتليفزيون وأزمة جريدة الطريق وأزمة الوفد وحاليًا أزمة البوابة، وفي الطريق من دون شك أزمة جريدة الفجر التي صدر منها العدد الأخير قبل أسابيع.. ويعمل فقط موقعها الاليكتروني! كل هذا والدولة تصنع أذنا من طين وأخرى من عجين.. لاترى.. لا تسمع.. لا تتكلم!
--------------------------------
بقلم: 
محمود الشربيني


مقالات اخرى للكاتب

رشقة أفكار | كرة الثلج.. تتدحرج في شارع الصحافة!